كم أنت رخيص أيها الإنسان !
بالنسبة لي، لا شيء يعوض فقد الحبيب حتى ولو كان ملء الأرض ذهبا، لكنني أخضع صاغرا لحكم الله عز وجل في تقرير الدية الشرعية التي تعادل قيمة 100 بعير، ورغم أن أسعار الإبل زادت كثيرا في السنوات الماضية إلا أن قيمة الدية ما زالت ثابتة منذ عقود عند 100 ألف ريال!!
ورغم ذلك، فإنها لا تعوض عن الأخطاء الفادحة التي يذهب ضحيتها أحبابنا، وتكون خسارتنا مضاعفة عندما ندرك أننا خسرناهم بسبب الجشع الذي يجعل مستشفى يستعين بكوادر غير مرخصة أو غير مؤهلة ليستفيد من رخص تكلفتها، أو مدينة ألعاب تستعين بعمالة غير مدربة وقطع غيار رديئة لتخفض تكلفة الصيانة، أو تاجرا يروج لمنتجات رديئة ومقلدة لم تخضع للرقابة أو الفحص ليحقق هامش ربح أعلى!!
لقد كنت أول من كتب عن وفاة الدكتور طارق الجهني الذي ذهب ضحية خطأ طبيبة تخدير غير مرخصة في مستشفى خاص في عملية عادية، وأخشى أنني سأكون آخر من يكتب عنه لأن النسيان سيطوي صفحته في هذه الحياة بعد أن صدر الحكم ضد المستشفى بغرامة لن يحصل منها أهل الضحية على ريال واحد؛ لأنها ستذهب إلى خزينة وزارة الصحة، رغم أن الوزارة تتحمل جزءا من المسؤولية بغياب الرقابة والمتابعة لأداء المستشفيات الخاصة، بينما لن يحصل أهل الضحية على غير الدية الشرعية التي لا تساوي اليوم فخذ بعير!!
وتذكرون قصة الفتاة التي قضت نحبها قبل سنوات في حادث بإحدى مدن الملاهي، بينما ما زالت ضحيتان أخريان في حالة معالجة على نفقة ذويهما، تخيلوا بعد خمس سنوات من مداولات القضية ومماطلات الجلسات وضغوط التسوية «داخل» وخارج جدران المحكمة يصدر الحكم بالتعويض عنها بـ 50 ألف ريال. نعم، 50 ألف ريال لا تساوي حتى قيمة «وانيت بغمارتين» لأسرة فقدت أغلى ما تملك في الوجود.. فلذة كبدها!!
كم أنت رخيص أيها الإنسان.. تسكب الملايين على مسرح عتق رقاب القتلة، بينما لا يساوي ضحايا الأخطاء والإهمال والتقصير والجشع فخذ بعير!!
